الأربعاء، 18 يناير 2017

الجامعة المقلوبة

كوريا الجنوبية: الجامعة المقلوبة

بقلم: مارك زاسترو

إنّ تاي–إيوج لي له فلسفة بسيطة بشأن ما يجب أن يقوم به الأكاديميون في المحاضرات، تتمثل في أنهم يستطيعون القيام بأي شيء، عدا أن يحاضِروا. يقول تاي–إيوج: «عادة، في الفصول الدراسية التقليدية، تجد الطلاب لا يفكرون. إنهم يتبعون فقط تدريس الأستاذ». ولذلك.. في جامعة «معهد كوريا المتقدم للعلوم والتقنية» ـ ويُعرف اختصارًا بـ«كايست» KAIST ـ في دَيجون، بكوريا الجنوبية، حيث يرأس مركز التميز في التعليم والتعلم، يعمل لي على تنفيذ مفهوم «الفصل الدراسي المقلوب»، فبدلًا من الجلوس في محاضرات أحادية الاتجاه لا تنتهي، يشاهد الطلاب الدروس عبر الإنترنت في المنزل، ثم يأتون إلى الفصول الدراسية لمناقشة الأفكار، والعمل على حل المشكلات في مجموعات صغيرة. المعيدون والمُحاضِر هناك للإشراف، لكن معظم التعلم يحدث فيما بين الطلاب أنفسهم. يسمِّي لي هذا: الجيل الثالث من التعليم (Education 3.0)، ويراه طريقًا لإثارة الإبداع والعمل الجماعي، والاستعداد لطرح الأسئلة، وكلها تقمعها طبيعة المحاضرات، وكذلك مجتمع كوريا الجنوبية الهرمي التراتبي، حسب رأي كثيرين.
ليست «كايست» أول جامعة تجرب هذا المفهوم، لكن دعم إدارتها القوي لتطبيق المفهوم جعلها رائدة في «حركة الفصل الدراسي المقلوب» في عامين فقط. من 3 فصول تجريبية في ربيع 2012، نمت الجهود لحوالي 60 فصلًا هذا الخريف (2014). وعلى مدى السنوات الثلاث المقبلة، يأمل لي في زيادة ذلك إلى 800 فصل دراسي، أي %30 من إجمالي فصول «كايست». أُعجِب المراقبون في مؤسسات وأماكن أخرى بضخامة جهود «كايست». يقول سانجاي صارما، مدير التعليم الرقمي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «إنهم يغيرون ثقافة (التعليم) على نطاق واسع».
هذا هو نمط التحول الثقافي الذي ظلت «كايست» تسعى إليه منذ أوائل العقد الماضي، عندما بدأت الحكومة الكورية إصلاح الجامعات للمنافسة في كوكب معولم. أقلعت جهود الإصلاح ابتداء من 2006، مع اختيار نام بيو سوه ـ مهندس ميكانيكي أمريكي كوري بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ـ رئيسًا للجامعة. اجتذبت مثل هذه المبادرة المتقنة والمستدامة ـ التي جلبت موجة من أموال الحكومة ـ تبرعات خاصة أيضًا. وأتاح هذا للجامعة المضي في فورة توظيف؛ فجنَّدت الكثير من أعضاء هيئة التدريس الشباب، الذين جلبوا بدورهم المنح البحثية. صعد ترتيب «كايست» عاليًا لدى تصنيفها بواسطة «التايمز للتعليم العالي» بين جامعات العالم، من ترتيب 198 في بداية فترة نام بيو سوه إلى ترتيب 69 بعد ثلاث سنوات. 
«تريد مؤسسات التعليم العالي أن ترى: كيف يمكنك القيام بهذا، وكيف تنهض بسرعة»
وسرعان ما بدأت احتجاجات أعضاء هيئة التدريس ضد رئيس الجامعة، رافضين تقييماته الصارمة للأداء، وإصراره على التدريس بالإنجليزية، بدلًا من الكورية. وفي أوائل 2011، انتحر أربعة طلاب خلال ثلاثة أشهر؛ مما أصاب المؤسسة في الصميم. وضعت هذه المآسي إصلاحات سوه الأخرى قيد التدقيق. وفي محاولة لزيادة المعايير والأموال، بدأ سوه يفرض أول رسوم دراسية في الجامعة، لكن فقط على الطلاب الذين حققوا درجات ضعيفة. أما الذين أفلحوا أكاديميًّا، فاستمروا لا يدفعون شيئًا.
يقول الطلاب إن وصمة العار الاجتماعي المصاحبة لسداد الرسوم بواسطة أصحاب الدرجات المنخفضة ضَخّمت البيئة التنافسية المفرطة بالفعل في «كايست»، ومجتمع كوريا الجنوبية ككل، الذي يشهد أعلى معدلات الانتحار في العالم المتقدم. ولَدَى مواجهته دعوات للاستقالة، اعتذر سوه، وألغى الرسوم الدراسية، وأعاد التدريس باللغة الكورية. كما عجَّل سوه بإطلاق برنامج التعليم 3.0، «جزئيًّا، لأنني لم أكن أدري كم من الوقت سأكون هناك»، كما يقول. و(أخيرًا اضطر للاستقالة في فبراير 2013).
ازدهر نهج التعليم 3.0 الذي قَلَبَ الفصل الدراسي رأسًا على عقب. يُقدَّر أن نحو %30 من جسم «كايست» الطلابي البالغ 10 آلاف طالب تلقوا كورسات، حسب نهج تعليم 3.0 حتى الآن، وجاءت درجاتهم في الامتحانات لا تقل جودة عن أمثالهم في الفصول الدراسية التقليدية، لكن الأكثر أهمية بالنسبة إلى لي، هي الفوائد غير الملموسة. فمثلًا، %71 من طلاب نهج التعليم 3.0 أبلغوا عن تحسُّن في فهم المواد، وزيادة الحافز، وتركيز أفضل، لكن أقليّة كبيرة تظل غير مقتنعة. فـ«العرض والمناقشة (بهذه الطريقة) ليسا مألوفين لدى الطلاب الكوريين»، حسب قول سيونج كيون كانج، وهو طالب دراسات عليا في الهندسة النووية والكمية. «لست متأكدًا أنه أفضل من نهج الفصول الأصلية».
وشرعت الجامعات الأخرى تحذو حذو «كايست». فجامعة سيول الوطنية، إحدى أكثر مؤسسات التعليم العالي والبحث المرموقة بكوريا الجنوبية، أدخلت أول فصول مقلوبة هذا العام.
وتراقب الجامعات بمختلف أنحاء آسيا «كايست»، كما يقول جيرارد بوستيليوني، الذي يَدرُس تطور التعليم العالي الآسيوي بجامعة هونج كونج في الصين. ووفقًا لتصنيف الجامعات السنوي الذي تنشره مؤسسة كواكارلي سيموندز (QS) البريطانية، تُعتبر «كايست» الآن ثاني أفضل جامعة في آسيا. يقول بوستيليوني إن المؤسسات «تريد أن ترى كيف يمكنك القيام بهذا، وكيف تنهض بسرعة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكراً للمشاركة والاطلاع على المدونة