السبت، 20 مارس 2021

اللغة والهوية

اللغة والهوية

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وأمده بالأدوات التي توطنه في الأرض ليُحييها، ويكتسب المعارف والمهارات والقيم التي تُشكل هويته، فلكلِ إنسان هوية تشكلت في مجتمع تفاعل معه، فهوية الإنسان تختلف باختلاف الزمان والمكان والحال، وكان للثقافة والحضارة التي شكلت المجتمع دور رئيس في تشكيل هوية الإنسان، فالإنسان بلا هوية يفقد ذاته، فبانتمائه للمجتمع والوطن الأم تتحقق ذاته وتبرز هويته.

فما علاقة اللغة بالهوية، فإن كانت ثقافة المجتمع تُشكل هوية الإنسان الذي ينتمي إليه، فاللغة هي العمود الفقري لتشكيل وتكوين الثقافة، فاللغة ليس أداة للاتصال والتواصل مع الآخر وكفى، بل إن اللغة أشمل وأعم من أن تكون أداة فقط، فعلى سبيل المثال لو أخذنا جنيناً من أمٍ وأبٍ سعوديين تشكلا بهوية مجتمعهم، إلى دولة كاليابان ليعيش ويتربى بها، ماذا تتوقعون أن تكون هويته، مع العلم أن الحمض النووي له يختلف كلياً عن الأحماض النووية التي تحيط به في مجتمعه الجديد.

طالما أن هناك علاقة بين الهوية والثقافة، فكشف العلاقة بين اللغة والثقافة سيجيب على سؤال علاقة اللغة بالهوية، فاللغة عبارة عن مجموعة من الرموز والكلمات والجمل يستخدمها الإنسان للتعايش في حياته؛ ليؤدي رسالته، وهذه الرموز والكلمات تبدأ تتكون في فكر الإنسان منذ ولادته تدريجياً في سنوات عمره المختلفة باختلاف وسطه ومحيطه؛ حتى يمتلك في عقله مخزوناً كبيراً من الرموز والكلمات، وكلما اتسع ذلك المخزون المعرفي، انعكس على فكره وذكائه وفهمه للحياة.

فشخصية الإنسان ليست جانباً معرفياً فقط، بل معرفياً وروحياً وعاطفياً، وبالتالي تكوين الرموز والكلمات وبناء اللغة لديه لا يكون عن طريق المعرفة فقط، فاللغة تتشكل لدى الإنسان ضمن سياقاً معرفياً عاطفياً روحياً، يستقر في فكر الإنسان وذاته، ويبدأ في تشكيل شخصيته التي تميزه عن غيره، ومن خلال اللغة يبدأ الإنسان في تكوين التصور والصور النمطية للحياة، ويتبرمج العقل عليها في ظل غياب الوعي المتحكم في تلك البرمجة.

فالأشخاص يرددون بعض العبارات أو الحكم أو الأشعار أو نحوها، وهي محفوظة في ذاكرتهم، والأمر لا يقف عند مجرد الحفظ، بل تصبح تلك العبارات والحكم والأشعار هي الموجه لفكر وسلوك الإنسان، ومع الوقت والتكرار يصبح ذلك السلوك عادة لدى الإنسان، ومجموعة العادات تتكون لتشكل شخصية الإنسان وهويته.

وسأعطي أمثلة لمقولات أو حكم أو أبيات من الشعر يتداولها الناس ويرددونها تحمل مفاهيم خاطئة تشكلت في أذهانهم وفكرهم وانعكست على سلوكهم وعاداتهم، وأصبحت توجه سلوكهم في مناحي الحياة المختلفة، وسأترك لك أيها القارئ الكريم الحكم على تلك المفاهيم ومنها "الأقارب عقارب"، " الشر يعم والخير يخص"، " زوجوه يعقل"، " أن الرجل لا يعيبه شيئاً مهما فعل"، "أن الزوج إذا أحسن إلى زوجته فهو خروف"، " هم البنات إلى الممات"، " ظل رجل ولا ظل حيط"، "كوم حجار أفضل من إنسان جار" وغيرها الكثير من المفاهيم الخاطئة التي كونت فكر الناس وكرست سلوكهم وشكلت شخصياتهم وصنعت هويتهم.

والمتأمل لكل ما يحدث حولنا وحول العالم هو صناعة للمفاهيم المؤثرة على فكر الناس وسلوكهم وعاداتهم، فالمجتمع الناجح المتفوق هو الذي يستطيع تشكيل مفاهيمه السليمة والصحيحة التي تُكّون حياته وترسمها وتصنع هويته من خلال لغة جميلة رصينة تحمل في حروفها وكلماتها وسياقها معاني جميلة للحياة تجعل الإنسان يعيش حياة سعيدة.

ولو تأملنا أفضل لغة وأفضل كلام في الوجود، لوجدناه كلام الله عز وجل في كتابه الكريم، الذي يحمل كلمات وجمل ومعاني جليلة وعظيمة، فحينما تمثلها نبينا محمد أفضل البشر عليه الصلاة والسلام في شخصيته، صنعت هويته، فحينما سئلت السيدة عائشة عليها السلام عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: كان خلقه القرآن.

 

                                                                       أ.د. خالد بن عواض بن عبدالله الثبيتي

                                                                      أستاذ الإدارة والتخطيط الاستراتيجي

 

 


الجمعة، 19 مارس 2021

لغة القائد

 

لغة القائد

إن للقادة سمات وقيم يترجمها السلوك، وتنطق بها اللغة، فحينما تقرأ التاريخ تجد صنفين من القادة، الأول قادة الحكمة والرشد والبناء والتطوير ودعاة السلام والمحبة كالأنبياء والرسل عليهم السلام، والثاني قادة البطش والظلم والقهر والجور والعدوان كفرعون وهامان وهتلر وستالين، وما بين الصنفين تتأرجح القيادات، ولكل قائد لغة تميزه عن غيره من القيادات.

فالمجتمعات تحتاج إلى قادة البناء والتطوير، قادة الحكمة والرشد، قادة السلام والمحبة، فبأي لغة يتحدث أولئك القادة، سأحدثكم عن لغتهم فارعوا انتباهكم

-       لغة الصدق والوضوح والسهولة والبساطة، يفهمها الصغير والكبير، الرجل والمرأة، العالم والمتعلم، تخلو من المتناقضات، تعكس نُبل الخُلق، ولطيف العبارات، تطرب الأذن لسماعها، وتشتاق النفس لمعانيها؛ لأنها تخرج من القلب فتستقر في القلب.

-       لغة تُخاطب الجانب المشرق من الإنسان، فتذكر جمال الروح، وكريم الخُلق، وحُسن الفعل، لغة تُعزز الإيجابية لدى الإنسان، وتشحذ الهمم نحو الإنجاز، لغة تندمج معها الذات، وتُحلق عالياً في سماء الطموح والتطلعات.

-       لغة تزرع الأمل في النفوس، فتحيا القلوب، وتزهو الحياة، ويدب النشاط فيها، وتكون الابتسامات لها عنواناً، والعطاء له سخاءً، والجود له طريقاً، فيصبح للحياة معها قيمة.

-       لغة الحزم وقطع الظن، لا تعرف التردد، ولا تعرف النفاق والشك والشكك، لغة تُريحك بقرارتها، فالقرار واضح وصريح، لا يعرف للزيغ طريقاً.

-       لغة مفعمة بالنشاط والتفاؤل والإنجاز، لغة تبث الطاقة والحماس فيمن حولها، فكل يوم جديد يحمل معه أملاً جديداً.

-       لغة يُحب سماعها المسكين، ويألف لها قلب اليتيم، تسلي كبير السن، فتضع عنه همومه، وتُنفس كروبه.

-       لغة تنظر للمستقبل برؤية طموحة، وشمس مشرقة، وسماء تزهو، وأرض تُزهر.

-       لغة لباسها الاحترام، وعطرها التقدير، فالجميع لديها سواسية، لا عنصرية ولا مذهبية، تجذب من يراها، وتجبر على احترامها.

-       لغة تجود بالكرم، وتنبذ الشح والبخل، تكرم الضيف، وتعين الكل والمسكين، وتطعم الجائع والفقير، وتُعين المظلوم.

-       لغة الشجاعة والإقدام، فالسيف لها وشاح، والدرع لها غطاء، تقود الصفوف، ولا تهاب الجيوش.

فلغة القائد الفذ الطموح لغة واحدة، لا يختلف عليها اثنان، ولا تقبل الشك من كل بنان، فهي لغة متماسكة كالكيان، قوية كالبنيان، تطرب لها الأذان، ويسعد بها الإنسان.