الأحد، 11 سبتمبر 2016

إدارة الاختلاف

إدارة الاختلاف
الاختلاف بين البشر سنة من سنن الله في الحياة، ووجوده ظاهرة طبيعية حتى في الأسرة الواحدة، ويُعد الاختلاف أحد ركائز الحياة لتقدمها وتطورها واستمرارها في النمو والاكتشاف، ووجود الاختلاف بين البشر يرجع لأمور عدة وراثية ومكتسبة، فكل شخص له تكوينه النفسي والمعرفي والمهاري الخاص به، وينبغي على المجتمع وأفراده أن يفهموا معنى الاختلاف وأن وجوده في الحياة أمراً طبيعياً، وأن لا يتحول ذلك الاختلاف إلى خلافات وصراعات يمكن أن تتطور وتصبح أزمات تنخر في جسد الأمة والمجتمع وتسعى لهدمه وتفكيكه، ومن أجل أن لا يتحول الاختلاف إلى خلاف، يمكن إدارة الاختلاف على النحو التالي:
-       التركيز على الأهداف المشتركة:
يلاحظ أنه في حدوث الاختلافات الفكرية والثقافية والاجتماعية يكون التركيز على نقاط الاختلاف وإبرازها بشكل كبير مما يتسبب في تأزمه وخروجه عن مساره الطبيعي، ويتم تجاهل النقاط والأهداف المشتركة التي يسعى المجتمع والوطن لتحقيقها والتي هي أيضاً أهداف مشتركة للمختلفين يسعون لتحقيقها ويمكن أن توحد الجهود والطاقات من أجلها دون هدر أو صراع يكون لها انعكاس مؤثر وسلبي على المجتمع.
-       التركيز على القيم المشتركة:
تعتبر القيم هي الموجه الأساسي للنفس البشرية وتأثيرها يتضح بشكل كبير على الأفكار التي تُطرح ويتم تداولها خصوصاً بين المختلفين، وبالتالي فالقيم ركيزة أساسية في إدارة الاختلاف أو تأزمه وتفاقمه.
والقيم المشتركة الهادفة البناءة الإيجابية والتي تمثل أرضية خصبة للحوارات وإدارة الاختلافات يمكن توظفيها لخدمة المجتمع وتطوره وهي كثيرة منها: قيم العدل والمحبة والتسامح والأمانة والإخلاص وغيرها من القيم والتي تحول الاختلافات إلى تفاهم واتفاق وطاقة إيجابية.


-       إعطاء الأولوية للقضايا الأساسية
الملاحظ أن معظم الاختلافات التي تحدث بين الأشخاص والأفراد داخل المجتمع تتمركز حول قضايا ليست رئيسية أو جوهرية وقد تكون قضايا هامشية فضلاً عن كونها فرعية وذات اهتمام شخصي.
 والأولى في إدارة الاختلافات أن يكون التركيز على القضايا الأساسية والتي تخدم مصلحة الفرد والمجتمع وتسهم في بنائه ونموه وتطوره، وبالتالي يكون الاختلاف حولها هو اختلاف للبناء وليس للهدم.
-       إدراك صعوبة تغيير العادات وأساليب الحياة
من نعم الله على الإنسان أن كل واحد له بصمته الفكرية والثقافية والاجتماعية والتي تشكلت عبر الزمن فأصبحت بالنسبة له عادة وأسلوب حياة، ولكل فرد طريقته في الحياة يعيش بها وفقاً لأنظمة وقوانين تكفل للجميع حقوقها واحترامها والحياة السعيدة.
ولا يمكن أن تجد شخصين متشابهين في العادات، وبالتالي يجب أن نحترم كل شخصية، ونحترم فكرها وثقافتها وما تطرحه من رؤى وأفكار وقضايا.
وأن تعلم أنه ينبغي تقبل الآخرين كما هم، وأنه ليس مطلوب منك تغير عادات وثقافات الناس وأسلوب حياتهم، بل المطلوب منك أن تحاورهم وتقنعهم بالتي أحسن بالأفكار الرائعة والجميلة والتي تحمل معها أهداف تخدم مصلحة الجميع.
إن إدارة الاختلاف أمر مهم وضروري ويسهم في تقريب وجهات النظر وتحقيق الأهداف والنتائج المطلوبة.

إدارة الاختلاف تعني التقدم والتطور
د. خالد بن عواض الثبيتي


الخميس، 14 يوليو 2016

الشباب والإرهاب

الشباب والإرهاب

يتضمن المقال متغيرين رئيسين مهمين وهما، الشباب ذلك المتغير التابع الذي يتأثر بعوامل ومتغيرات مختلفة تحدث من حوله، والإرهاب المتغير المستقل والذي يؤثر على الشباب ويحولهم من أدوات بناء ونماء وعطاء لهم ولمجتمعهم إلى أدوات تدمير وتفجير لذواتهم ولأسرهم ووطنهم، ولأهمية الموضوع وخطورته سوف أتناوله بشكل علمي موضوعي منطقي بعيداً عن الذاتية بمقدمة علمية يعتمد عليها تفسير وتحليل العلاقة بين الشباب والإرهاب.
-       يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) {التين: 4}، وقال تعالى: ((وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )){النحل: 78}، وبالتأمل في تلك الآيات نستنتج أن الله خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا في أفضل تكوين وأحسن هيئة، خلق الله الإنسان وأمده بالأدوات والوسائل التي تمكنه بالتكيف مع الحياة وتكوين المعارف والمهارات والقيم والاتجاهات، إذن يخرج الإنسان إلى هذه الحياة وعقله (فكره) صفحة بيضاء، ثم يبدأ بالتفاعل وفق خطوات ومراحل حياتية مختلفة يكتسب من خلال التربية والتعليم والتفاعل مع المجتمع العادات والتقاليد والمعارف والمهارات والاتجاهات والتي تكون شخصيته وتصقلها، بحيث يكون لكل إنسان شخصيته المستقلة.
-       روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)، يحمل الحديث العديد من المعاني من أهمها أن الإنسان يولد على الفطرة السليمة بمعنى أن لديه قابلية لأن يكون مسلماً خيراً متى ما وجد القدوة الحسنة والتربية السليمة الصحيحة النبوية والتي تكسبه المعلومات والقيم والمعتقدات اللازمة لتحقيق الغاية من الخلق، ويمكن أن يكون الإنسان بعيداً عن الفطرة السليمة ويعتنق معتقداً أو ديناً آخر، حسب ما يقوم به الأب والأم من ممارسات وتربية وتعليم تسهم في صقل شخصيته، فعلى سبيل المثال لو أخذنا طفلاً عربياً لكي يعيش في اليابان مع أسرة يابانية، ماذا نتوقع أن يصبح بعد عشرين سنة، والعكس صحيح، إذن نستنتج أن الإنسان في بداية حياته وتكوينه يتأثر بشكل كبير بأبويه.
-       تقوم نظرية التعلم الاجتماعي لجوليان روتر على أن الناس يتعلمون سلوكيات جديدة عن طريق التعزيز أو العقاب الصريحين، أو عن طريق التعلم بملاحظة المجتمع من حولهم، فحين يرى الناس نتائج إيجابية ومرغوبة للسلوك الذي يلاحظونه من قبل غيرهم تزداد احتمالية تقليدهم ومحاكاتهم وتبنيهم للسلوك، فمكونات نظرية التعلم الاجتماعي هي: الملاحظة، التقليد، السلوك، ثم توسع العالم باندورا في فكرة جوليان روتر وأفكار من سبقوه، فنظريته تشمل التعلم السلوكي و الإدراكي، حيث يفترض التعلم السلوكي أن بيئة الشخص المحيطة تدفعه للتصرف بطريقة معينة، أما نظرية التعلم الإدراكي فتقول بأن العوامل النفسية مهمة في التأثير على سلوك المرء، فنظرية التعلم الاجتماعي تجمع بين العوامل البيئية والعوامل النفسية حيث يتطلب تعلم وتقليد سلوك معين ثلاثة أمور: التذكر، الإنتاج، الدافع، ويعتبر التعلم الاجتماعي من أقوى المؤثرات في شخصية المرء في اكتسابه للقيم والتزامه بها، فعلى سبيل المثال حينما يسافر إنسان من بلد إلى بلد آخر مختلف في الثقافة والتقاليد نجده يلتزم بعادات وقيم ذلك المجتمع سواء كانت إيجابية أو سلبية، وخصوصاً حينما يُقيم في تلك البلاد، وتنتج الصدمات الثقافية للناس باختلاف الموروث الثقافي والقيّمي للمجتمعات.
-       من التجارب الشهيرة في تكوين السلوك والاتجاهات لدى الأفراد، ما قام به أحد العلماء البريطانيين المهتمين بنظريات سلوك القائد، حينما طلب عشرة أطفال، وقال حددوا ماذا تريدون أن يكون تخصص كل طفل في المستقبل (طبيب، مهندس، ..الخ)، وبالفعل وفر الدعم المادي والمعنوي والإمكانات والتعليم والتعلم المناسب ليؤثر على سلوك كل طفل منهم ويكسبه المعارف والمهارات اللازمة لكل تخصص، وتخرج كل طفل في التخصص الذي تم تحديده مسبقاً. وقد أثبتت العديد من التجارب والأدلة أنه حينما يتم توفير البيئة المعنوية والمادية المناسبة والصحية والجيدة للإنسان يبدع ويبتكر ويتميز، وهذا ما يتم ملاحظته من فروق جوهرية بين الدول والمجتمعات، إذن الإنسان لديه الاستعداد والقابلية للتعلم والتكيف والتطور المعرفي والعلمي والمهاري، وباختلاف البيئات والثقافات تختلف المخرجات والنتائج.
وبعد تلك المقدمة انتقل بكم إلى تحليل العوامل والأسباب التي جعلت بعض الشباب يتأثر بالإرهاب والأفكار الهدامة:
أولاً: تبدأ حياة الشاب كطفل بين أبويه، ولمدة قد تصل إلى سبع سنوات يكتسب من خلالها الكلمات والمعلومات والقيم ويتم ذلك من خلال الملاحظة المباشرة للأبوين والتقليد والمحاكاة، وأيحاناً عن طريق التعلم المباشر خصوصاً عندما يكون الأب متعلم أو الأم متعلمة أو كلاهما.
لكن للأسف الشديد فالطرق التي يتّبعها الأبوان سواء كانت طرق مباشرة أو غير مباشرة (تقليد ومحاكاة) لتربية أطفالهم هي طرق غير صحيحة وغير سليمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر القسوة والعنف وعدم الثقة والصراخ والوعيد والتهديد التي يستخدمها الأبوان أو أحدهما في المواقف المختلفة مع أطفالهم هي طرق خاطئة وغير إسلامية وغير نبوية، فلو تأملنا سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام في تعامله مع كل من حوله نجد حياته قائمة معهم على الاحترام والتقدير والرحمة والتواضع.
وأكبر مؤثر في تربية الطفل هو وجود القدوة النموذج الحي في حياته وخصوصاً قدوة الوالدين، وبغياب القدوة السليمة الصحيحة يعيش الطفل حياة التناقض بين ما يشاهده من سلوكيات وممارسات من قبل الأبوين والأسرة وبين ما يُؤمر به أو يُنهى عنه، هذه الطرق غير الصحيحة وهذا التناقض العجيب في حياة الطفل، يجعل منه شخصية مهزوزة منعدمة الثقة خائفة مترددة قائمة على العنف والسخرية والاستهزأ، إذن المشكلة تكمن في طريقة وأسلوب التعامل مع الطفل، وخصوصاً أن إرث وتركة التربية القريب غير سليم وغير جيد وبعيد عن التربية النبوية.
وفي ظل تلك الممارسات والتناقض الواضح في حياة الطفل، تتكون الشخصية السلبية لدى الطفل وليست الشخصية الإيجابية، فالشخصية السلبية هي شخصية ساخطة ناقمة تنتقد باستمرار، تميل إلى العدوانية والاعتداء وتحقيق الذات بأي طريقة كانت، فتصبح العلاقة بين الأسرة وشخصية ذلك الشاب علاقة تنافر وليست علاقة حب وتجاذب، ويبدأ يبحث الشاب بتلك الشخصية السلبية عن بيئة تحتويه فلا يجد سوى البيئات السيئة والسلبية والتي تتناسب مع شخصيته وتحتويه وتقدم له الاحترام والتقدير والدعم المعنوي والمادي، ومن تلك البيئات السلبية والسيئة بيئتي المخدرات والإرهاب، فتبدأ تتكرس لديه أفكار واتجاهات تلك البيئات التي انتقل لها وبشكل سلبي ومؤثر جداً فيتبنى الشاب أفكارهم ويمارس سلوكياتهم ويصبح أداة لهم يحققون من خلاله أهدافهم.
وحتى الشباب الذين ينجّون من تلك البيئات السلبية ويحققون أهدافهم وينتمون للمجتمع هم للأسف مازالوا يملكون نظرة سلبية للمجتمع فيها النقد الغير بناء وفيها السخط، بسبب تكوين الاتجاهات السلبية أثناء مراحل الطفولة المختلفة وحتى أصبحوا شباباً.
ثانياً: تتقاسم الأسرة مع المدرسة تربية وتعليم الأطفال والشباب حتى عمر الثامنة عشر وهو العمر الذي يكون تشكل فيه جزء كبير من شخصية الشاب، فالتعليم شريك أساسي واستراتيجي في التنشئة والتربية والتعليم والتعلم، والسؤال هل للتعليم دور إيجابي أو سلبي في تكوين شخصية الشاب؟
والجواب بحكم تخصصي في الإدارة التربوية وبحكم خبرتي التعليمية المتنوعة، أجد أن التعليم في المملكة العربية السعودية يمتلك إمكانات مادية وبشرية وعلمية وتربوية هائلة، ويمتلك مناهج تعليمية جيدة وسليمة غنية وثرية، وحتى المناهج الإسلامية الشرعية هي مناهج في ضوء الكتاب والسنة تعلم عليها العديد من العلماء والوزراء والمثقفين، أيضاً يواكب التعليم التطورات التقنية والتربوية العالمية ويوظفها في العملية التعليمية، فالتعليم كإمكانات مادية وبشرية يتفوق على عدد كبير من الدول ويواكب التطورات العصرية حتى مع وجود الأخطاء.
أين يكمن الخلل؟
الخلل يكمن في العلاقة بين الأسرة التعليمية (معلم، مرشد، مدير، مشرفّ...لخ) من جهة والطالب من جهة أخرى، هل العلاقة بينهما علاقة جيدة تقوم على الحب والاحترام والثقة والتقدير أو هي علاقة قائمة على الشك والاتهام وعدم الاحترام والتقدير؟
يبدو أن ما يحدث في التعليم من تعامل هو امتداد لما كان يحدث في الأسرة من تعامل، فمهما كانت المباني والتجهيزات والإمكانات والهيئة التعليمية ذات جودة عالية؛ فإنه في ظل علاقة غير قوية وغير جيدة مع الطالب فلن يتحقق التعليم المطلوب، فالطلاب لا يتعلمون إلا من معلم يحبهم ويحبونه؛ بل على العكس سيتكون لدى الطلاب اتجاهات عكسية وسلوكيات سلبية تجعلهم إما يتجهون نحو الانحلال ويمارسون التدخين والمخدرات وغيرها، أو أنهم يتجهون نحو التشدد والانغلاق والإرهاب، وكل ذلك يحدث من الشاب أحياناً كردة فعل عكسية لما يلاحظه ويلمسه من سلوكيات وممارسات داخل البيئة التعليمية.
ثالثاً: من الأشياء الجميلة والرائعة في أفراد المجتمع حبهم الشديد وميلهم الفطري نحو الدين (الكتاب والسنة)، وهذا فضل من الله ونعمه أن يكون الشاب في مجتمع مسلم يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، ودولة تُحكم شريعة الله وتعمل بمقتضى ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
ولو تأملنا بداية الدعوة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، نجد أن الدعوة سارت وفق مرتكزات أساسية حببت الناس في الدين وجعلتهم يعتنقون الإسلام عن حب وطمأنينة، فكانت دعوته للإسلام قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن الغلظة والقسوة والشدة، قال تعالى: ((ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) {النحل: 125}
وقال تعالى: ((بِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) {آل عمران: 159}
لو تأملنا الآيتين السابقتين، نجد أن القرآن هو القرآن العظيم، والنبي هو النبي عليه الصلاة والسلام، فما الذي اختلف؟ الذي اختلف هو أسلوب وطريقة الدعوة إلى الله.
نعم فقد كانت دعوة النبي عليه الصلاة والسلام إلى الإسلام تسير وفق توجيه رباني من لدن حكيم خبير، فقد كان عليه الصلاة والسلام خلقه القرآن الكريم، فهذا منهج النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة وفي التعامل وفي التدين فهو أفضل الخلق وأتقاهم لربه، ذلك المنهج القائم على الحكمة والتعامل الحسن وعلى الاحترام والتقدير.
ولو أردنا أن نُقيم مُعظم الخطاب الوعظي والخطاب الدعوي الحالي في المجتمع في ضوء منهج النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة؛ لوجدنا اختلافاً كبيراً، ذلك الاختلاف ليس في النصوص القرآنية وليس في الأحاديث النبوية، بل الاختلاف في السياق ولغة الخطاب وطريقة التعامل والدعوة؛ حيث نجد أن الخطاب الوعظي والدعوي الحالي معظمه قائم على تكريس الشعور بالذنب وتأنيب الضمير وعلى الإثم والخطيئة لدى المتلقي، حتى أصبح المتلقي يحمل اتجاه سلبي نحو ذاته ونحو المجتمع، وفي حالة توجس وخوف وريبة مما يحدث حوله، وبالتالي افتقد الخطاب الوعظي إلى التوازن بين الرجاء والخوف، ونتج عن ذلك بعض الأفراد الذين يحملون توجهات سلبية نحو المجتمع.
وللأسف أصبح ذلك النوع من الخطابات يتنقل من خلال الملاحظة والمشاهدة، حتى أصبحت لغة الخطاب الوعظي عموماً واحدة وافتقدت للتوازن المطلوب.
والتوجه السلبي لدى الأفراد يجعلهم دوماً ساخطين على المجتمع وعلى أفراده ومؤسساته، وبالتالي يكون انضمامهم للتوجهات السلبية الأخرى المعادية للمجتمع أسهل وأقوى، فتكون لدى الفرد منهم القابلية ليعمل أي شيء لكي ينتقم من المجتمع بسبب ذلك الشعور والاتجاه السلبي الذي يحمله، وليس بسبب الدين والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
رابعاً: يمثل الإعلام بحد ذاته سلطة قوية ومؤثرة في التغيير والتأثير على المجتمع، كيف لا وقد أُطلق على الإعلام "السلطة الرابعة" وخصوصاً الصحافة، والسؤال هل الإعلام يقوم بأدوار إيجابية أو سلبية؟
التعليم والإعلام من أقوى الوسائل والأدوات ليس في التغيير والتأثير فقط، بل في صناعة الأمم وقيادة التقدم والتطور بها، لذلك تهتم الدول بالتعليم والإعلام وتخصص لهما الدعم المادي والبشري والميزانيات اللازمة للقيام بأدوارها في قيادة عجلة النمو والتنمية بالمجتمع.
والحديث هنا عن المؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية الرسمية وليس عن الإعلام الحديث أو الجديد.
فالأفراد الذين نشئوا في أحضان الأسر ومؤسسات التعليم هم من يعملون في المؤسسات الإعلامية، فإذا كانوا يحملون توجهات إيجابية ستنعكس على أدائهم الإعلامي والعكس صحيح.
أيضاً يلاحظ أن معظم أخبار المجتمع المحلي وتناولها في المؤسسات الإعلامية المختلفة تتسم بالسلبية والأخبار السيئة وتقديمها بشكل يكرس السلبية لدى المتلقي.
ويلاحظ أن أغلب المتمكنين من وسائل الإعلام المختلفة من كُتاب وإعلاميين ذوو اتجاه أحادي، ويحملون أحياناً اتجاه سلبي وليس متزن نحو المجتمع وبعض فئاته، وقد يكون نشأ ذلك الاتجاه كردة فعل عكسية للاتجاه الآخر في المجتمع، وهذا ليس مبرراً لممارسة السلبية والإقصاء.
وهذه السلبية وذلك الإقصاء الذي تتم ممارسته في وسائل الإعلام أثر بشكل كبير وسلبي على المجتمع، ولم يحقق التوازن المطلوب تحقيقه، وليس هو الأسلوب الأنجع والأفضل للتغيير.
يفتقد الإعلام إلى المهنية والاحترافية في أفراده، فمعظم من دخل الإعلام هم من الهواة والمهتمين، وهذا أيضاً أثر سلباً على الدور الذي ينبغي أن يقوم به الإعلام.
يلاحظ أيضاً غياب المثقفين من الأكاديمين والأدباء وغيرهم - ممن يحملون وعياً وفكراً متزناً - عن الإعلام ووسائله المختلفة، وهذا الغياب مهما كانت أسبابه هو غياب سلبي أفقد المجتمع الاستفادة من فكر أولئك المثقفين ووعيهم.
المجتمع يتأثر بما يتم عرضه في وسائل الإعلام المختلفة تحت أي مسمى كان، ويلاحظ أن ما يتم عرضه من مسلسلات ونحوها بغرض أنها تناقش قضايا مجتمعية سلبية، هي للأسف تكرس الممارسات الخاطئة والسلبية لدى المجتمع، وأسهمت في تشكيل اتجاه سلبي لدى الأفراد مع العوامل الأخرى.
الصراعات (المختلفة) التي تحدث في وسائل الإعلام وليس النقد الهادف (الرأي والرأي الآخر) ساهمت بتعزيز وتكريس السلبية وتنمي الشعور بالعدائية نحو الآخر.
خامساً: أما المجتمع، فيمكن تفسير ما يحدث فيه وفق نظريات التعلم الاجتماعي أو غيرها من النظريات الاجتماعية، فالانفعالات والمشاعر والممارسات تنتقل بالعدوى فإن كانت المشاعر والانفعلات متزنة وإيجابية ساد الاتجاه الإيجابي والسلوك الجيد في المجتمع، وإن كانت المشاعر والانفعالات سلبية ساد الاتجاه السلبي والسلوك السيئ في المجتمع، والعدوى تكون في القرى والهجر أسرع وأقوى منها في المدن.
سادساً: أما ما يخص المؤسسات الحكومية والخاصة في المجتمع، فهي جزء من المجتمع وثقافتها تنتمي إلى ثقافة المجتمع، فالأفكار والممارسات السائدة في المجتمع سواء كانت إيجابية أو سلبية هي الأفكار والممارسات التي تتم في المؤسسات، إلا إذا كان قائد المؤسسة يحمل توجهاً إيجابياً فإنه بالتأكيد سيؤثر على توجه الأفراد بالمؤسسة وتصبح التوجهات للأفراد في المؤسسة إيجابية، مما يعني تطوير الأداء وزيادة الإنتاجية؛ فمن المهم جداً عند اختيار قيادات المؤسسات الحكومية اختيار القائد الذي يحمل توجهاً إيجابياً، ويمتلك المعارف والمهارات الإدارية اللازمة لأداء العمل.
ختاماً: تتميز المجتمعات الإيجابية بالنشاط والحيوية والالتزام والعمل والإنتاجية والابتكار والإبداع والتميز وغيرها من السمات والقيم التي تحقق السعادة والنجاح، وعلى العكس من ذلك المجتمعات السلبية.
ويمكن أن يكون المجتمع وأفراده إيجابيين عندما يكون الحب والاحترام والتقدير والثقة والصدق والأمانة هي سمات وسلوك أفراده، ويمكن أن يكون المجتمع وأفراده سلبيين عندما يكون الكره والبغض والعنف والقسوة والإقصاء والعداوة هي سمات وسلوك أفراده.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن الكريم، وقد زكّاه المولى عز وجل قال تعالى: ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ )) {القلم: 4}
ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: (كان خلقه القرآن). صحيح مسلم
فالدين الإسلامي عبارة عن (عبادات ومعاملات) بينهما ترابط وتكامل، فأي خلل في أحدهما هو خلل في التدين وليس في الدين.
وقد قال الشاعر أحمد شوقي:
وإِنَّمَـا الأُمَـمُ الأَخْـلاقُ مَا بَقِيَـتْ          فَـإِنْ هُمُ ذَهَبَـتْ أَخْـلاقُهُمْ ذَهَبُـوا
ويتضح من بيت الشعر أن وجود الأمة وتأثيرها يكون من خلال وجود الأخلاق التي يمتلكها أفرادها .
د.خالد بن عواض بن عبدالله الثبيتي

الأحد، 19 يونيو 2016

القيادة الاستراتيجية الطريق نحو رؤية 2030

القيادة الاستراتيجية الطريق نحو رؤية 2030
إن صناعة المستقبل لأي بلد تنطلق من استشراف ذلك المستقبل، من خلال الرؤية التي يمتلكها القادة والسياسيون والاقتصاديون، والتي تحدد مسار وخارطة الطريق نحو تحقيق الطموحات والإنجازات، والتحول نحو دول العالم الأول.
ولقد أولت المملكة العربية السعودية صناعة المستقبل اهتماماً كبيراً، وقد تجلى ذلك واضحاً عندما اعتمدت القيادة الحكيمة في مجلس الوزراء رؤية 2030 بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهد الأمين، وولي ولي عهده الأمين.
ويقود تحقيق رؤية 2030 شاب طموح سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، وترتكز الرؤية على عدد من المرتكزات الأساسية التي انطلقت منها في تكوين استراتيجياتها ومبادراتها وبرامجها، والعديد من المشاريع التنموية.
إن تحول الدول وتقدمها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً يمر بمرحلتين جوهريتين أساسيتين ترتكز كل منهما على الأخرى، الأولى مرحلة تحديد الرؤية ووضع التصورات ورسم الاستراتيجيات، والثانية وهي المهمة جداً، وهي مرحلة تحويل الرؤى والتصورات والاستراتيجيات إلى برامج تنفيذية وفق مراحل وخطوات عملية يكون لها أثر ملموس على أرض الواقع.
وقد تم تطوير إطار حوكمة تحقيق رؤية 2030، من أجل أن يكون العمل مؤسسي؛ مما يسهم في رفع كفاءته وتنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة، وتم تقسيم أدوار ومسؤوليات التنفيذ إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: رسم التوجهات والاعتماد، ويشمل هذا المستوى ثلاث جهات معنية:
-         مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية؛ بحيث يضع الآليات والترتيبات اللازمة لتحقيق الرؤية، ورسم الرؤى والتوجهّات والبرامج والرفع بها، وإزالة العوائق والصعوبات التي تؤثر على تحقيق البرامج التنفيذية.
-         اللجنة المالية، وتتولى وضع وتحديث آليات اعتماد تمويل البرامج والمبادرات، وإعداد وتحديث الآليات التفصيلية التي يتم من خلالها اعتماد المتطلبات المالية للبرامج والمبادرات، ودراسة المتطلبات المالية، وتخطيط التدفقات النقدية لها والرفع في شأنها.
-         الفريق الإعلامي بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، حيث يتولى ترسيخ الصورة الذهنية لرؤية المملكة 2030، وتوحيد الرسائل الموجهة إلى الرأي العام، وتطوير الخطة الإعلامية للرؤية والبرامج التنفيذية المرتبطة بها.
وقد حدد إطار الحوكمة خمس جهات تتولى تحديد مستوى تطوير الاستراتيجيات الخاصة بتحقيق الرؤية:
1)    اللجنة الاستراتيجية بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتتولى تقديم الدعم في الشؤون الاستراتيجية للمجلس، من صياغة الاستراتيجيات المحققة للرؤية وترجمتها إلى برامج تنفيذية، ومتابعة تنفيذها، وحل العوائق والمشكلات التي تواجه تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج والمشاريع المحققة لتوجهات المجلس.
2)    مكتب الإدارة الاستراتيجية في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذراع التنفيذي للجنة الاستراتيجية، ويتولى دراسة وتحليل وترجمة الرؤية إلى خطط وبرامج تنفيذية ومن ثم الإشراف والمتابعة المستمرة، ومدى تحقيقها لأهدافها.
3)    مكتب إدارة المشاريع في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، فيقوم بمتابعة المشاريع والقرارات التي يصدرها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويشمل مدى تحقيق أهداف الرؤية من خلال البرامج التنفيذية.
4)    وزارة الاقتصاد والتخطيط فتمثل الجهة الداعمة للجهات ذات العلالقة والأجهزة الحكومية في التخطيط الاستراتيجي والتنفيذي، بناءً على توجيه من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتوفر المعلومات اللازمة من بيانات وإحصاءات ودراسات إلى الجهات ذات العلاقة، وتعمل على مواءمة الخطط القطاعية بين الجهات ذات العلاقة.
5)    مركز الإنجاز والتدخل السريع الذي يمثل الذراع الداعمة لمجش الشؤون الاقتصادية في عمله مع الجهات التنفيذية بغرض تحقيق الرؤية، من خلال تقديم الدعم في تصميم المبادرات وانجازها وتنفيذها.
وتمثل الوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية الجهات التنفيذية لرؤية المملكة 2030، فهي معنية بتطوير وتنفيذ البرامج والمشاريع والمبادرات، وتنسيق الجهود والتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى في سبيل تحقيق النتائج المرجوة.
فضمان نجاح تحقيق رؤية 2030 وتنفيذ خططها وبرامجها يتطلب قيادة استراتيجية ذات قدرة تنفيذية تفهم واقع الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، وتعمل على تطبيق الخطط والاستراتيجية بصورة صحيحة، وينبغي أن تقوم وتضطلع القيادة الاستراتيجية بعدد من الأدوار والمسؤوليات من أهمها:
-         نشر الفكر الاستراتيجي في المؤسسة من خلال التثقيف المستمر، والدورات التدريبية، والبرامج التطويرية لجميع الموظفين والإداريين بالمؤسسة.
-         توحيد الجهود عن طريق وضوح الأهداف ومشاركة موظفي المؤسسة واداريها في وضع الأهداف.
-         منافسة القطاع الخاص والتفوق عليه في جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين.
-         التركيز على الإنجاز، من خلال تقسيمات العمل، ومن خلال المراكز الحكومية المختلفة التي تغطي جميع المناطق.
-         تقديم الخدمات الحكومية للمستفيدين عن طريق الهواتف الذكية، وإتاحتها في الزمان والمكان المناسبين.
-         توليد أفكار لتطوير العمل باستمرار من خلال الموظفين ومن خلال المستفيدين، والعمل على تهيئة البيئة الإبداعية والابتكارية المناسبة.
-         امتلاك أنظمة تقنية مترابطة وفعالة من أجل أن تتمكن المؤسسة الحكومية من انجاز المعاملات بسرعة أكبر.
-         ترتيب الأولويات حسب أهميتها ووقت إنجازها، بحيث تكون القضايا المهمة والمستعجلة في أولى اهتمامات قائد المؤسسة الحكومية.
-         إيجاد بنية تحتية متكاملة وبيئة مستدامة تعمل على نجاح العمل وضمان تحقيق الأهداف وتنفيذ البرامج.
-         الإصرار في مواجهة التحديات التي تقف أمام تحقيق المؤسسة لأهدافها.
-         مراقبة الأداء الحكومي باستمرار وفق مؤشرات أداء واضحة ومقننة قابلة للقياس، والعمل على تصحيح مسارات الإخفاق التي تقف في طريق تحقيق المؤسسة لأهدافها.
-         دعم مبادرات التعلم المستمر وتبادل الخبرات بين الموظفين؛ لتحقيق التناغم والتكامل في بيئة العمل.
-         تشجيع الموظفين نحو التميز في الأداء، عن طريق وضع مؤشرات وجوائز للتميز الإداري.
-         إشراك الموظفين في وضع السياسات والإجراءات الازمة لتحقيق الأهداف وتنفيذ البرامج.
-         إتاحة المعلومات اللازمة للموظفين والمستفيدين بشفافية ووضوح، ليتمكن الموظف من أداء عمله بجودة عالية، ويتمكن المستفيد من الحصول على الخدمة بكل رضا وارتياح.
-         فتح قنوات الاتصال والتواصل بين الموظفين والإداريين، وفي كل الاتجاهات الأفقية والعمودية، الصاعدة والهابطة، دون تعقيد أو تعطيل أو تأخير.
-         دعم العمل بروح الفريق والمسؤولية الجماعية والتي تعزز التعاون وتشجع على الإنجاز واكتساب الخبرة اللازمة والكافية.
-         إشاعة الاحترام والثقافة المتبادلة بين العاملين داخل المؤسسة.
-         تمكين الإداريين من أداء أعمالهم؛ من أجل سرعة إنجاز المعاملات واختصار الوقت والجهد.
-         تشجيع الموظفين على الإبداع والابتكار في مجال أعمالهم، ووضع نظام للحوافز والمكافآت التي تحقق ذلك.
-         تشجيع الموظفين على تكوين الاتجاهات الإيجابية والسلوك الجديد الذي يتطلبه التطوير المؤسسي.
-         تحسين صورة المؤسسة في البيئة المحيطة وفي المجتمع، وفتح قنوات اتصال مع المجتمع الخارجي.
-         توفير الموارد البشرية المؤهلة للتعامل مع التقنيات الحديثة.
-         تبسيط الإجراءات الإدارية.
واختم مقالي بالعبارة التالية:
التخطيط يحتاج إلى عقول متنوعة بينما التنفيذ يحتاج إلى عقول متجانسة



د.خالد عواض عبدالله الثبيتي
أستاذ الإدارة والتخطيط الاستراتيجي المشارك
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


السبت، 23 أبريل 2016

الرؤية الوطنية للملكة العربية السعودية

الرؤية الوطنية للملكة العربية السعودية
أعلن ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان آل سعود رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أنه في يوم الاثنين 25 أبريل للعام 2016م سوف يتم الإعلان عن رؤية المملكة العربية السعودية 2030  والتي ستقود الوطن نحو التحول إلى التقدم والازدهار، وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني.
وتمثل الرؤية لأي دولة خارطة طريق توجه الدولة والمجتمع نحو التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنمية البشرية المطلوبة.
ومن خلال تخصصي في الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، سأتحدث عن الرؤية الاستراتيجية من خلال خصائصها وأسسها ومرتكزاتها ليصبح لدى القارئ الكريم تصور عام عن الرؤى الاستراتيجية وكيف يمكن أن تكون.
إن عملية بناء وصوغ الرؤى الاستراتيجية ليس بالعمل السهل وليس بالمستحيل، بمعنى أن له أسس ومنهجية علمية يتم اتباعها في البناء والتكوين، وخصوصاً أنها رؤية وطنية شاملة لجميع مجالات وقطاعات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية والبيئية.
فمن الخصائص التي ينبغي أن تتصف بها الرؤية في كونها تستند إلى واقع فعلي وتنطلق منه وتشخص من خلاله نقاط القوة وتعززها، ونقاط الضعف ومحاولة حلها والتغلب عليها وتحويلها إلى نقاط قوة.
لذا ينبغي أن تتميز الرؤية بالمصداقية والشفافية والوضوح لكافة المؤسسات والقطاعات وكافة أفراد وشرائح المجتمع المختلفة، بعيداً عن الغموض.
ويجب أن تكون الرؤية الاستراتيجية ملهمة تُحفز فرق العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة نحو الإنجاز والتميز.
أن تُعزز الرؤية الاستراتيجية من قيم وتوجهات المؤسسات والمنظمات الحكومية والخاصة، وتُسهم في تحقيق الأهداف المنشودة لتلك المؤسسات.
ضرورة انطلاقة الرؤية من هوية المملكة العربية السعودية ومكانتها السياسية والجغرافية والاقتصادية، ومن بيئتها الثقافية والاجتماعية المتنوعة والمتعددة.
أن تسهم الرؤية الاستراتيجية في توجيه الجهود وتحقيق الالتزام والمشاركة الجماعية، مع تشجيع الجميع على تحقيق الأهداف.
أن تكون الرؤية الاستراتيجية على مستوى عالٍ من الطموح بحيث تتحقق الأهداف الاستراتيجية من خلالها.
أن تتناغم الرؤية مع طموحات الدولة والشعب معاً، بحيث تكون موجهة ومحفزة ودافعة للتميز من الجميع.
ولبناء الرؤية الاستراتيجية أسس ومنطلقات منها:
-         معرفة وفهم واقع الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة ليكون الانطلاق من خلالها نحو تحقيق الرؤية.
-         تقييم الاتجاه الحالي للمؤسسات الحكومية والخاصة وتحديد نقاط القوة والضعف لها.
-         مراعاة التكامل بين المؤسسات الحكومية وقطاعاتها المختلفة والقطاعات الخاصة.
-         ضرورة وجود رؤية بديلة للرؤية الأساسية في حال الإخفاق في تحقيقها تكون هي البديلة.
-         تركيز الرؤية على التنمية البشرية وتوفير القوى العاملة المحلية المتعلمة والمدربة لقيادة الرؤية وتحقيقها.
ويمكن إجمال الركائز التي ينبغي أن ترتكز عليها الرؤية الاستراتيجية للدولة في:
1)    التنمية الاقتصادية:
تطوير اقتصاد متنوع وتنافسي يستطيع تلبية احتياجات الدولة والمؤسسات والأفراد، ويؤمن مستوى عالٍ من المعيشة في الوقت الحاضر والمستقبل.
2)    التنمية الاجتماعية:
تطوير مجتمع آمن يستند على الأخلاق الحميدة تتحقق من خلاله العدالة والرفاه الاجتماعي المطلوب قادر على التفاعل والتعامل مع كافة المجتمعات.


3)    التنمية البشرية:
تعليم وتطوير وتنمية كافة أفراد المجتمع ليكتسبوا المعارف والمهارات والقدرات التي تمكنهم من بناء مجتمع زاهر ومتقدم علمياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.
4)    التنمية البيئية:
ضمان الانسجام والتناغم والتناسق بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والبيئة المادية المحيطة بها.

                                                                      د. خالد عواض الثبيتي
أستاذ الإدارة والتخطيط المشارك


السبت، 5 مارس 2016

متطلبات التحول الوطني في المملكة العربية السعودية

متطلبات التحول الوطني في المملكة العربية السعودية
يأتي مشروع التحول الوطني للملكة العربية السعودية والذي يقود دفته ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في ظل تحديات عالمية مختلفة ليؤكد للجميع أن المملكة تملك مقومات التحول نحو التنمية الاقتصادية والمجتمعية القادرة على منافسة الدول المتقدمة.
ولأن التحول الوطني يهم كل شرائح المجتمع المتنوعة والمختلفة تحت مظلة وطن واحد وقيادة حكيمة، أتت مشاركتي في منتدى الإدارة والأعمال السابع والذي أقيم بمدينة الخبر بورقة عمل حملت عنوان" متطلبات التحول الوطني في المملكة العربية السعودية" من خلال ثلاثة محاور رئيسة هي:
أولاً: أبرز ملامح التحول الوطني والتي منها، تحقيق طموحات الدولة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والتعليمية والسياسية، تحقيق رفاه المواطن من خلال تحقيق متطلبات الحياة الكريمة للمواطن والمقيم بالمملكة، بناء وطناً قوياً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأن يكون الاقتصاد السعودي جزءاً فعالاً ومؤثراً دائماً في نظام اقتصادي عالمي، والتحول من مجتمع الرعاية إلى مجتمع العدالة المجتمعية، ومكافحة الفساد ونشر ثقافة النزاهة في المنظومة الحكومية، ومنح الفرصة الكاملة للتنوع والمساهمة والاستقلالية في وطن شاسع يعم السعودية، وإيجاد بدائل تدعم اقتصاد الدولة، مع توفير معلومات وإحصاءات دقيقة لدعم التحول الوطني، مع التأكيد على قياس أجهزة الدولة من خلال مؤشرات قياس متنوعة ودقيقة، على أن يكون عام 2020 موعداً لقياس أداء تنفيذ الخطط والبرامج المطروحة من المسؤولين في الأجهزة الحكومية.
ثانياً: نماذج عالمية في التحولات الاقتصادية والتنموية والمجتمعية، ومن تلك النماذج التي حققت نجاحات في تحولها وفق مؤشرات التنمية العالمية وما حققته من نجاحات واقعية، ومن خلال معدل ارتفاع الدخل الوطني والقومي وارتفاع دخل الفرد، وعليه تم اختيار كلٌ من ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتركيا والبرازيل، وكل تجربة تحتاج منّا وقفات تأمل واستفادة بكل تفاصيلها، وقد قمت بقراءة كل تلك التجارب بمؤشراتها وتفاصيلها فوجدت أن أهم عوامل النجاح والتفوق لتلك الدول هي:
-         وجود رؤية تمثل الدولة (حكومة وشعباً) تمثل ما تريد الدولة الوصول إليه مستقبلاً.
-         التناغم العجيب بين طموحات قادتها وشعوبها.
-         الأجهزة والمؤسسات الحكومية في حراك دائم تتماشى من خلاله مع الرؤى المنشودة والأهداف الموضوعة.
-         رفع مستوى الدخل الوطني.
-         التفوق في الإنجازات.
-         يلاحظ أن تلك الدول حققت تحسناً في الأداء في المؤشرات الاجتماعية كالصحة والتعليم.
-         أيضاً حققت تفوقاً في عناصر دليل التنمية البشرية غير المرتبطة بالدخل.
-         امتلاكها لاستراتيجية إنمائية تكون موضوع إجماع والتزام.
-         توفر القدرات القوية والعمل بالسياسات المناسبة ومشاركة الأفراد.
-         العمل التدريجي الذي يعمل على إزالة القيود التي تكبح التقدم.
-         فرض ضوابط على السوق، وتشجيع الصادرات والتنمية الصناعية، والاستفادة من التكنولوجيا والتقدم.
-         إطلاق عملية التحول في حياة المواطنين ورصدها، فتكون الدولة صديقة للتنمية.
-         رعاية الإنسان من خلال توسيع نطاق عدد من الخدمات الاجتماعية والأساسية.
-         تعزيز الرابط بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
-         جذب الاستثمارات الاقتصادية التي تحقق النمو الاقتصادي والبشري للدولة.
ثالثاً: وهو لب ورقة العمل والتي استفادت من ملامح التحول الوطني ومن تجارب الدول ومن تحليل الواقع الحالي للملكة، وقد خلصت الورقة إلى عدد من المتطلبات هي:
-         وجود رؤية واضحة ومصحوبة ببرامج وآليات عمل تقود التحول نحو المستقبل المنشود.
-         ضرورة وجود مؤسسات وأجهزة قادرة على ترجمة تلك الرؤية إلى واقع ملموس ونجاحات متحققة عملياً.
-         وجود الإنسان المؤهل القادر على التعامل مع متطلبات التحول الوطني.
-         ضرورة وأهمية توافر الشفافية والنزاهة والعدالة المجتمعية.
-         وجود قطاع خاص قوي يمارس دوره التنموي الاجتماعي.
-         التكامل بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في تحقيق التنمية.
-         الاهتمام بالشباب، لأنهم أهم مورد على وجه الأرض.
-         الاستفادة من تجارب دول العالم التي حققت نجاحات في التحول نحو العالم الأول.
-         توفير المعلومات والإحصاءات الدقيقة في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية وغيرها.
-         وجود هياكل إدارية وتنظيمية قادرة على إيجاد البيئة المناسبة والأرضية المطلوبة للتحول الوطني.
-         الاهتمام بإعداد وتدريب وتطوير الإنسان لأنه محور التنمية.
-         الابتكار والحزم في السياسات الاجتماعية.
-         تغيير ثقافة المجتمع وفق متطلبات التحول الوطني عن طريق المؤسسات المختلفة التربوية والتعليمية والإعلامية.
-         العمل التدريجي وفق خطوات علمية ومراحل عملية نحو تحقيق التحول الوطني.
-         توفير تعليم عالي الجودة.
-         توفية صحة عالية الجودة.
ويأتي التعليم والصحة كأهم قطاعين ومرتكزين يقوم عليهما مشروع التحول الوطني، فنجاهما هو نجاح لمشروع التحول الوطني وتحقيق رؤيته وأهدافه الاستراتيجية.

د. خالد عواض الثبيتي