الأربعاء، 18 يناير 2017

الجامعة المُبتكِرة

ألمانيا: الجامعة المُبتكِرة

بقلم: أليسون أبوت

عندما بدأ الكيميائي فولفجانج هِرمان فترته الأولى رئيسًا لجامعة ميونيخ التقنية (TUM) في عام 1995، كان مصممًا على تحدِّي الوضع الأكاديمي القائم، الذي ساد لأكثر من عقدين من الزمن.
استجابت ألمانيا للاضطرابات الاجتماعية في عقد الستينات بإعلان أن جميع الجامعات متكافئة، واتخاذ خطوات لمنع نشوء نخبة جامعات متميزة، وهو توجه يميل إلى تقويض أي روح تنافسية بين أعضاء هيئات التدريس. ضمنت القواعد الجديدة أيضًا آنذاك مكانًا لأي طالب يحمل شهادة تخرُّج من المدرسة ـ مما يعني أن الجامعات لا رأي لها في مَن يتلقى حلقاتها الدراسية ـ وأبقت أعضاء هيئة التدريس ملزمين بقوانين الخدمة المدنية البيروقراطية. وكانت النتيجة ثقافة برج عاجي ينظر نحو الداخل، وراكد فكريًّا وماليًّا.
كانت رؤية هِرمان هي تحويل جامعة ميونيخ التقنية إلى «جامعة ريادة أعمال» أكثر رشاقة وتنافسية دوليًّا، ومن شأنها تشجيع الابتكار والمخاطرة ومبادرات الأعمال بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء. ولتحقيق ذلك.. أعاد هِرمان هيكلة الجامعة على غرار الجامعات الأمريكية الناجحة، مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بكمبريدج. في عام 1999، أجرى هِرمان أحد إصلاحاته الأولى – والرائدة بألمانيا – فأسس مجلس أمناء، حلَّ محل السيطرة المباشرة لوزارة تعليم مقاطعة بافاريا على الجامعة؛ مما أتاح صنع القرار بشكل أسرع كثيرًا. منذ ذلك الحين، استخدم تلك الحرية لإنشاء بعض أولى كليات الدراسات العليا الألمانية: مؤسسات تعليمية تلزم المرشَّحين لنيل الدكتوراة بمعايير صارمة وعامة لمنهج مساقات محددة، بدلًا من تركها لتقلبات المشرفين الفردية. أنشأ هِرمان أيضًا مؤسسة لجمع الأموال؛ لإتاحة تمويل مرن ومستقل لبعض مشروعات الجامعة؛ وأسس معهد الدراسات المتقدمة؛ وأطلق نظام التعيين مدى الحياة، الذي يلزِم الجامعة بتشجيع الأكاديميين الذين يحققون التميز المطلوب، وتوظيفهم بشكل دائم، وعزل مَنْ لا يفعلون ذلك. والنظام الأخير هو مفهوم شائع بالولايات المتحدة، لكنه مفهوم ثوري بألمانيا.
في البداية، لم تُستقبل التغيرات بشكل جيد لدى بعض أعضاء هيئة التدريس، الذين لم يرتاحوا للتركيز المتصوَّر على الأبحاث التطبيقية والمردود التجاري على حساب البحوث الأساسية. لكن الاستياء تلاشى عندما حلَّق إنتاج الجامعة الأكاديمي عاليًا من 2,276 بحثًا منشورًا في عام 2002 إلى 5,827 بحثًا في عام 2013. وتمويل الجامعة من الوكالات الحكومية والصناعة – نحو 300 مليون يورو (380 مليون دولار) هذا العام – هو من بين أعلى مستويات التمويل الجامعي بألمانيا.
في عام 2012، أعيد انتخاب هِرمان لمنصبه لرابع فترة على التوالي، كل منها 6 سنوات، بواسطة مجلس جامعي يضم ممثلين عن هيئة التدريس والطلاب والموظفين غير الأكاديميين والمجتمع المحيط، وأعلن هِرمان أن هذه الفترة ستكون الأخيرة، لكن سيرته المهنية الطويلة بشكل غير عادي كرئيس جامعة، التي ستبلغ 24 عامًا عندما يغادر مكتبه في 2019، قد أعطته الوقت والنفوذ للضغط على الحكومة البافارية الإقليمية لإرخاء قيودها على الجامعة واحدًا تلو الآخر. قال شبه مازح: «الآن، وأنا أعرف تقريبًا الجميع في السياسة والحكومة، فإنهم يخشون أحيانًا أن يقولوا «لا» لي، لأنهم يعرفون أن الآخرين سيسألونهم لماذا هم غير متعاونين».
عندما أدخلت الحكومة الاتحادية مبادرات التميز ـ وهي مسابقات في عامي 2006 و2012 مصمَّمة لتشجيع الجامعات على خفض قيودها، واكتساب وضْع النخبة (انظر: Nature 487, 519–521; 2012) ـ أعطت الجامعات الألمانية الأخرى حافزًا لإجراء إصلاحات، لكن تلك التغييرات لم تأخذ مجراها بأي مكان بالسرعة التي حدثت بجامعة ميونيخ التقنية، التي فازت في كل المسابقات. وقد وافقت بافاريا على دفع ربع تكاليف تشغيل مشروعات مبادرة التميز بجامعة ميونيخ التقنية عندما تنفد الأموال الاتحادية في 2017.
يقول هيرمان: «لقد تأصلت هذه الثقافة الجديدة الآن، وسيواصل الجيل القادم من القادة هذا المنوال».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكراً للمشاركة والاطلاع على المدونة