السبت، 19 ديسمبر 2015

التربية أولاً

التربية أولاً!
تمثل التربية ركناً أساسياً من أركان نمو وتشكيل المجتمعات وتطورها، وبدون تربية لا يمكن صناعة المجتمع، بل سيتكون المجتمع وفقاً لمتغيرات مختلفة، لن يكون لمؤسسات المجتمع دوراً فيها، والذي قد ينتج عنه عدداً من المشكلات والقضايا التي تؤثر على المجتمع وأفراده.
والتربية والتعليم بينهما ارتباطاً وثيقاً وقوياً، فالتربية هي مجموعة من التغيرات والتطورات والتوجهات التي تؤثر في سلوك الفرد وتشكل شخصيته وأسلوب حياته، بينما التعليم فهو إكساب المتعلم المعارف والمهارات اللازمة لحياته من علم أو مهنة أو حرفة وغيرها.
فالتربية عملية تنمية متكاملة لكافة شخصية الفرد بطرق وأساليب مختلفة؛ ليكون عضواً صالحاً في مجتمعه وتشمل جميع جوانب الشخصية الروحية والعقلية والخُلقية والاجتماعية والوجدانية والبدنية والجمالية، بينما التعليم يركز على الجانب العقلي (المعرفي) والجانب السلوكي (المهاري)، ويستخدم طرق وأساليب مختلفة لإكساب المتعلم تلك الجوانب.
فالتربية أشمل من التعليم، والتعليم جزء من التربية، والتربية هي الأهم وهي البداية مع خلق الإنسان وخروجه إلى الحياة الدنيا، فقد وهب الله الإنسان الأدوات (السمع والبصر والعقل وغيرها) والتي من خلالها يكتسب ما يصقل شخصيته المتكاملة في جوانبها المتعددة، قال الله تعالى: ((وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) النحل: 78
وتبدأ تربية الإنسان حينما يكون طفلاً بين أبويه فتتكون شخصيته تدريجياً من خلال محاكاة والديه وأسرته، باستخدام وتفعيل الأدوات التي منحها له الخالق، فالأسرة هي المؤسسة الأولى في تربية الإنسان، وتتباين الأسر في تربية أبنائها باختلاف ثقافتها ومستوى تعليمها، وهذا التباين يؤثر على صقل الشخصية ونموها بما يحقق أهداف المجتمع، فالتربية مسؤولية المجتمع قبل أن تكون مسؤولية الأسرة، فالفرد يُكّون الأسرة، والأسرة لبنة من لبنات المجتمع.
ولأن الأسرة لا تمتلك الطرق والأساليب اللازم لتربية الفرد وصقل شخصيته ونموها في جميع الجوانب؛ فقد أنشئ المجتمع المدرسة كمؤسسة نظامية تقوم بالتربية نيابة عنه وعن الأسرة، ووفر لها ما تحتاجه العملية التربوية والتعليمية من العناصر والمكونات اللازمة لتكوين الشخصية السوية الصالحة وصقل مواهبها وخبراتها بالمعارف والمهارات اللازمة للحياة.
فأصبح التعليم في مراحل حياة الإنسان الأولى إلزامياً على الدول تقدمه لمجتمعاته مع الصحة؛ لأنهما من أسس ومنطلقات التنمية الشاملة، وأي خلل بهما أو تأخر يؤثر وبشكل كبير على عجلة التنمية وتطورها.
والمتأمل لبدايات التعليم في المملكة العربية السعودية، يرى اهتمام الدولة بالتعليم ومؤسساته منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، فبدءاً من مديرية المعارف ثم وزارة المعارف، ولأن الدور الأساسي لها هو التربية، تم تغيير مسماها من وزارة المعارف إلى وزارة التربية والتعليم لتتولى الإدارة والإشراف على إدارات ومؤسسات التعليم العام في أنحاء المملكة، بينما تشرف وزارة التعليم العالي على الجامعات ومؤسسات التعليم العالي المختلفة والتي تقوم بدور التعليم من خلال إكساب المعارف والمهارات المختلفة للمتعلم، بعد أن تكونت شخصيته وتشكلت خلال مرحلة التعليم العام، فالتعليم الجامعي مرحلة تخصصية من حيث التعليم.
والان أصبح بدل الوزارتين وزارة واحدة هي وزارة التعليم وذلك بعد قرار دمج وزارة التربية والتعليم مع وزارة التعليم العالي، وصاحب تغيير المسمى تغييرات في المسميات الفرعية المختلفة، فبدل إدارة التربية والتعليم صارت إدارة التعليم، وبدل من مكاتب التربية والتعليم صارت مكاتب التعليم، فيلاحظ تلاشي مسمى التربية ومصطلحها من تلك المؤسسات؛ مما يعني أن مفهوم التربية ومكوناته سيضمحل مع الوقت، وسيكون التركيز بشكل مباشر على عمليات التعلم والتعليم، مع العلم أنه لا يمكن القيام بعمليات التعليم دون وجود أرضية صلبة ثابتة تقوم عليها تلك العلميات ألا وهي التربية، فالتربية أولاً.
د. خالد عواض الثبيتي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكراً للمشاركة والاطلاع على المدونة