الثلاثاء، 11 أغسطس 2015

دمج التعليم بين التكامل والاستحواذ

دمج التعليم بين التكامل والاستحواذ
الاندماج والتكامل مفهومان ومصطلحان ظهرا في عالم المال والأعمال وفي بيئة القطاع الخاص كغيرهما من النماذج والنظريات الإدارية كالهندرة والجودة الشاملة والحوكمة والمساءلة والمحاسبية وغيرها والتي من الطبيعي تظهر في قطاع الأعمال لأنه بيئة خصبة لها من أجل تحقيق التنافسية والاستمرارية وتحقيق الميزة العالمية ومواجهة الصعوبات والحد من الخسائر التي تترصد بها.
فالاندماج يعني دمج شركتين أو أكثر مما ينتج عنه ظهور كيان جديد تنتقل إليه جميع حقوق الشركات المندمجة.
والاستحواذ يعني السيطرة لإحدى الكيانات والشركات على نشاط كيان شركة أخرى، وقد يحدث الاستحواذ بصفة ودية بالتفاهم والانسجام أو بصفة قسرية وجبرية، بينما الاندماج بين الشركات يكون بصفة ودية وباتفاق من جميع الأطراف.
وتهدف الشركات من الاندماج إلى النمو والتوسع في الأنشطة في أماكن مختلفة، والاستفادة من الخبرات الفنية بين الشركات ونقل التكنولوجيا بينها من أجل تطوير الأنظمة الإدارية والمالية.
ولكن الاندماج عملية تنظيمية معقدة وتحتوي مخاطر عالية، ولا تظهر المشاكل إلا بعد الاندماج الرسمي، ولتجنب مثل تلك المشاكل ينبغي الاهتمام بعملية التكامل فيما بعد الاندماج.
والتكامل بعد الاندماج في المؤسسات والشركات يمر بأربعة مراحل هي أولاً مرحلة ما قبل الاندماج (الاتصال الأولي) وثانياً مرحلة التمكين من القوى وثالثاً مرحلة التنفيذ ورابعاً وأخيراً مرحلة الاستقرار (مرحلة القبول للاندماج).
والتكامل بين المؤسسات والشركات ليس عملية خطية تماماً بسبب بعض العوامل الخارجية كالتغيرات السياسية والاقتصادية، والعوامل الداخلية كالمقاومة لعملية الاندماج من القيادات والأفراد.
وقد يفشل الاندماج بين المؤسسات والشركات بسبب عدم وجود ثقافة متجانسة والذي يؤدي إلى عدم قابلية الاندماج. هذا فيما يتعلق بالاندماج في قطاع الأعمال (الخاص).
أما على المستوى الحكومي والقطاع العام فيري بعض السياسيين والإداريين أن دمج الوزارات إن كان خياراً استراتيجياً فإنه يؤثر على عمل الوزارات ويحد من قدرتها على القيام بواجبها وفق المحدد والمطلوب.
بل على العكس من ذلك نجد أن مفهوم ترشيق الوزارات هو المطلب والهدف كي تحقق مؤسسات القطاع العام النتائج الإدارية المرجوة.
ومن الأمثلة المحلية على ترشيق الوزارات وانفصالها عن بعض من أجل تركيز الجهود والأعمال وتقليل أعداد الملفات، انفصال وزارة الحج عن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وانفصال وزارة العمل عن الشؤون الاجتماعية، وانفصال البريد عن الهاتف وأصبح مؤسسة والاتصالات شركة وأنشئت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وغيرها من الأمثلة التي تعتبر شاهد على النجاح الإداري والتنظيمي في مؤسسات القطاع العام.
أما فيما يخص المؤسسات التعليمية فقد ألقى الاندماج بضلاله عليها، وأخذ الاندماج في المؤسسات التعليمية شكلين من الاندماج، فالأول اندماج المؤسسات التعليمية مع بعضها البعض كاندماج جامعة مع جامعة أو كلية مع كلية أو معهد مع كلية أو جامعة وغيرها من الاندماجات بين المؤسسات التعليمية كما في استراليا وبريطانيا والنرويج والسويد وجنوب أفريقيا فقد أُستخدم الاندماج بين المنظمات التعليمية من قبل الحكومات لتحقيق مجموعة من الأغراض ومنها تخفيف الدعم المالي وتحسين الكفاءة والجودة.
والنوع الثاني من الاندماج في المؤسسات التعليمية هو اندماج إدارة تعليم عام مع إدارة تعليم عالي كما اندمجت إدارة التعليم العام وإدارة التعليم العالي في دول مثل أمريكا وروسيا والهند والتي تتميز بكبر المساحة الجغرافية وطبيعة أنظمتها اللامركزية.
ونجد أن بعض الأنظمة المركزية والتي عملت دمج بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي بها عادت إلى فصلهما عن بعضهما البعض كما حدث في المملكة الأردنية وجمهورية مصر العربية.
وسبق أن تمت عمليات اندماج واستحواذ لمؤسسات تعليمية في المملكة العربية السعودية كضم كليات المعلمين إلى وزارة التعليم العالي آنذاك كجهة إشرافية واندمجت كل كلية مع الجامعة التي قريبة منها جغرافياً وتدريجياً حتى اندمجت مع كليات التربية أو أصبحت هي كلية تربية من كليات الجامعة، وتم ضم الكليات الصحية أيضاً إلى وزارة التعليم العالي ممثلة في الجامعات والتي اندمجت تدريجياً مع كليات الطب والعلوم الطبية التطبيقية بالجامعات، وكذلك دمج وزارة المعارف بالرئاسة العامة لتعليم البنات والذي تخلله صراعات تنظيمية كثيرة، ويبدو أنه تحول إلى استحواذ أكثر من كونه اندماج وأرى أنه لم يتحقق التكامل التنظيمي بينهما لأسباب عدة، وكان الأولى توثيق العمليات الإدارية والتنظيمية وما صاحبها من إيجابيات وسلبيات حتى يتم الاستفادة منها مستقبلاً في عمليات مشابهة.
والجانب الإيجابي أنه يوجد تجارب ناجحة للاندماج بين المنظمات التي لديها تدابير استباقية لتحديد وإدارة أي خلاف في النهج والإجراءات قد ينطوي عنه أي صعوبات بمعنى أن الاختلاف في الثقافة التنظيمية لا يحول بين الاندماج إذا وضعت التدابير التنظيمية والإجراءات المناسبة.
لذا فنجاح عملية الاندماج وتحقيق التكامل التنظيمي يحتاج إلى إدارة تمتلك العلم بالجوانب الإدارية للتكامل ومراحله واستراتيجياته بالإضافة إلى المهارة الفنية الكافية التي تهتم بالجوانب الإنسانية والثقافة التنظيمية حتى يتم التحول بطريقة منهجية وفق إجراءات إدارية مناسبة.
والأمر الملكي الذي صدر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله في يوم الخميس 9/4/1436هـ هو بدمج وزارة مع وزارة (أي دمج إدارتين)  وليس تعليم عالي مع تعليم عام ويجب أن يفهم المجتمع ويعي ذلك، فدمج وزارتين معاً في وزارة واحدة الهدف منه هو أن تكون هناك جهة إدارية تنظيمية واحدة تشرف على التعليم معاً، بحيث تكون مهامها تصورية إدراكية تخطيطية لأجل وضع رؤى وسياسات واستراتيجيات واحدة تتصف بالشمول والتكامل.
ومما سبق يتضح أن هناك نوعين من الدمج في التعليم إما دمج إدارة مع إدارة أو دمج مؤسسة تعليمية مع مؤسسة تعليمية والأخير هو السائد والناجح، ويتبين من التجارب الناجحة التي تم دمج إدارة التعليم العالي مع إدارة التعليم العام كأمريكا وروسيا مثلاً أن النظام بها غير مركزي مع وجود حرية واستقلالية للإدارات والمؤسسات التعليمية والجامعات بعيداً عن المركزية والروتين الممل والتأخير وهذا جانب مهم جداً لنجاحه، وفي رأيي أن نظام الاستقلالية للإدارات والمؤسسات التعليمة في ظل نظام إداري وتنظيمي وسياسي مركزي وثقافة تنظيمية تدعم ذلك لا يمكن أن ينجح إلا إذا تغير النظام والثقافة من (مركزي) إلى (لا مركزي) وهي مسألة تحتاج جهد ووقت.
وعليه أُوصي أن يكون لوزارة التعليم رأس للهرم التعليمي مكون من الوزير والنواب والوكلاء والمستشارين والذي يقومون بالإدارة والإشراف على التعليم بقطاعيه، بحيث تكون الإدارة الوسطى والتنفيذية على مستوى الوزارتين مفصولتين تماماً عن بعضهما البعض ويربط بينهما القيادة العليا (رأس الهرم) والذي بدوره يكون لديه السياسات والخطط والرؤى والبرامج للتعليم وبالتالي يحدث التكامل والانسجام بينهما.

د. خالد بن عواض الثبيتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكراً للمشاركة والاطلاع على المدونة